تم النقل من كتاب عن قصة حياة الشيخ محمود على البنا
قال الله تعالى:
)رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وإِقَامِ الصَلاةِ وإيتاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يوماً تَتَقَلًّبُ فيهِ الْقُلًوبُ والأبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ الله أحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)(
" سورة النور 37 إلى 38 "
حديث شريف
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن وتلاه وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كل قد وجبت له النار "
أولاً : مولــده
ولد الشيخ / محمود على البنا في قرية شبرا باص- مركز شبين الكوم – محافظة المنوفية في 17/12/1926 الموافق 11 جماد الآخر سنة 1945 هجرية ، وكان الابن الأول في أسرته.
نشـأتـــه :
نشأ الشيخ / محمود على البنا في أسرة متدينة ولهذا نذره والده للقرآن وألحقه بكتاب القرية وهو في السادسة من عمره حيث أتم حفظ القرآن كاملاً وعمره عشر سنوات فكان أصغر من حفظ القرآن بالقرية ، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ثم حاول والده أن يلحقه بالمعهد الديني بشبين الكوم في عام 1937 ولكن صغر سنه حال دون ذلك فألحقه بمعهد المنشاوي بطنطا التي أقام بها مما ساعده على تنمية هوايته الفنية في الاستماع إلى كبار مشاهير القراء في ذلك مثل الشيخين عبد الفتاح الشعشاعي ومحمد السعودي وغيرهما فكان يستمع إليهم ويقلدهما حتى اشتهر عنه ذلك ولم يكتف الشيخ/ محمود على البنا بمجرد الاستماع إلى كبار القراء. فبدأ يتلقى جميع أحكام وقواعد التجويد وعلوم القراءات فى عام 1946 وعك على دراسة المقامات الموسيقية والتواشيح مع الشيخ/ درويش الحريري لتطويع الموسيقى للتلاوة.
وأثناء قراءة الشيخ/ محمود على البنا للسورة بأحد مساجد شبرا ذاع صيته واستمع إليه بعض أعضاء جمعية الشبان المسلمين الذين قدموه إلى صالح باشا حرب رئيس الجمعية الذي عجب به كثيراً وشجعه حتى أنه عينه قارئاً لجمعيات الشبان المسلمين سنة 1947 فكان يتلوا آيات الله في جميع حفلات الجمعية.
ويشاء الله عز وجل أن يكون الاحتفال بالعام الهجري بالجمعية انطلاقه جديدة لصوت الشيخ محمود على البنا ، فقد استمع إليه الشيخ / دراز وعلي ماهر باشا رئيس الوزراء ومحمد بك قاسم مدير الإذاعة والأمير / عبد الله السنوسي والأمير / عبد الحكيم الخطابي وأجمعوا على أن صوتالشيخ / محمود على البنا صوتاً مميزاً وطريقة أداءه جديدة فطلبوا منه التقدم إلى الإذاعة المصرية للالتحاق بها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن "
عبقريتـه ونبوغـه :
حصل الشيخ / محمود على البنا على إجازة التجويد من الأزهر من أول امتحان وتحقق بذلك حلم والده الذي كان يدعو الله أن يتعلم ابنه محمود بالأزهر الشريف . ثم تقدم الشيخ / محمود على البنا للالتحاق بالإذاعة المصرية وكان لم يتجاوز عمره الثانية والعشرون عاماً ونجح في أول اختبار وأصبح أصغر قارئ للقرآن في تاريخ الإذاعة المصرية.
وباستديو علوي باشا بشارع الشريفين قدمت السيدة / صفية المهندس الشيخ / محمود على البنا في أول قراءة له في الإذاعة عام 1948 قرأ من سورة هود من الساعة السابعة صباحاً لمدة نصف ساعة ، والجدير بالذكر أن جميع القراءات في ذلك الوقت كانت تذاع على الهواء مباشرة إلى أن دخل نظام الشرائط والتسجيلات الإذاعية فسجل بها القرآن مجوداً كاملاً ثم مرتلاً كاملاً عام 1967.
قرأ الشيخ / محمود على البنا السورة في الكثير من المساجد المصرية منها مسجد الملك بحدائق القبة لمدة خمس سنوات ومسجد الرفاعي بالقاهرة لمدة خمس سنوات والمسجد الأحمدي بطنطا لمدة اثنين وعشرين عاماً ومسجد الإمام الحسين الذي ظل به حتى وافته المنية يوم السبت 20 / 7 / 198م الموافق 3 ذي القعدة 1405هـ.
كما قرأ الشيخ / محمود على البنا القرآن الكريم في العديد من المساجد خارج مصر منها المسجد الأموي بدمشق والمسجد الأقصى بفلسطين والحرمين المكي والمدني بالمملكة العربية السعودية.
تواضُــعه :
عندما سئل الشيخ / محمود على البنا عن أفضل قارئ من وجهة نظره قال :
الشيخ مصطفى إسماعيل ملك القراء ... والشيخ محمد رفعت لا أستطيع إعطائه لقباً لأنه لا يوجد مسمى يوصفه.
محمود على البنا يجتهد لكي يكون قارئ والحقيقة أن الشيخ البنا قال ما قال وهو في أوج شهرته كقارئ للقرآن.
ومن تواضعه رحمة الله عليه
انه كان لا يستنكف عن القراءة في الارياف بعد كونه قارئا مشهورا وعالميا فقد كان يسافر لاحياء الليالي والماتم في قرى مصر واريافها ومن ذلك احياء مأ تم في قرية تدعى (بحطيط ) من قرى محافظة الشرقية وكان بصحبته اخوه القارئ العلم الحنون/كامل البهتيمي/
وفــاؤه
قال عز وجل :
( قُل لَِعِبَادِي الذِينََّ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيَنفقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ )
" سورة إبراهيم 31"
وعملاً بهذه الآية الكريمة كان الشيخ / محمود على البنا طوال حياته أن يقدم عملاً خيرياً إلى قريته شبرا باص التي ولد ونشأ بها يعود على أهلها بالنفع والخير وهداه الله إلى إنشاء مجمع إسلامي يقع على الطريق الرئيسي بين مدينتي شبين الكوم ومدينة السادات وهو مبنى ضخم يضم مسجد ومصلى للسيدات ودار لتحفيظ القرآن الكريم ومكتبة تحوي الكثير من كتب الفقه وعلوم القرآن ودار للعلاج الخيري ، ويحرص على قراءة القرآن الكريم بمسحد الشيخ محمود على البنا الذي ورث عن والده جمال الصوت والأداء المتميز.
دعاء فضيلة المرحوم الشيخ / محمد متولي الشعراوي للشيخ /محمود علي البنا
"اللهم جازه عن كل حرف من القرآن تلاه عدد مرات تلاوته ،اللهم جازه عدد كل من استمع إلى كل حرف من القرآن تلاه."
زيـارات وتكـريم :
لم تقتصر شهرة الشيخ محمود على البنا على ربوع مصر وأرجائها فقط ، بل ذاع صيته وامتدت شهرته في جميع القارات ، فزار جميع الدول والجاليات الإسلامية في آسيا وأفريقيا وأوروبا ومنها الهند وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وألمانيا والنمسا ودعي إلى قراءة القرآن بجميع إذاعات الدول العربية وسجل لها القرآن الكريم كاملاً مجوداً ومرتلاً وكان آخرها دولة الإمارات عام 1985 قبل وفاته بثلاثة أسابيع فقط.
كما كلفته وزارة الأوقاف عدة مرات أن يقوم بتمثيل مصر في مؤتمرات ولجان القرآن الكريم بالدول الأجنبية حيث كان رئيساً للجنة الحكام في مسابقات القرآن الريم الدولية. وحصل الشيخ / محمود على البنا على العديد من شهادات التقدير والتكريم والأوسمة من مختلف الدول التي زارها أثناء حياته وتم تكريمه بعد وفاته بحصوله على وسام الامتياز للعلوم والفنون 1990 من السيد الرئيس/ محمد حسني مبارك.
وتوج تكريم الشيخ / محمود على البنا بنا بإطلاق اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة بمحافظة القاهرة ، وإطلاق اسمه على الشارع الرئيسي بجوار المسجد الأحمدي بطنطا بمحافظة الغربية ، وإطلاق اسمه على القرى الجديدة بالقرب من مدينة جرجا بمحافظة سوهاج ، وإطلاق اسمه على أحد الطرق الرئيسية لمدينة السادات بمحافظة المنوفية.
قال عز وجل :
( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ )
" سورة البقرة 152"
وفاتــه :
لقى الشيخ محمود على البنا ربه في 20/7/1985م عن عمر يناهز ثمانية وخمسون عاماً ونصف قضى منها سبعة وثلاثين عاماً قارئاً للقرآن بالإذاعات العربية والإسلامية. انطلق صوته خلالها فملأ أرجاء الكون بذكر آيات الله ، فخشعت القلوب ودمعت العيون وصفت النفوس وسمت الأرواح تأثراً وخشوعاً وإيماناً ، رحم الله الشيخ / محمود على البنا واسكنه فسيح جناته وجزاه بكل حرف قرأه أحسن الجزاء .